سورة المعارج - تفسير تفسير الشوكاني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المعارج)


        


قوله: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} قرأ الجمهور: {سأل} بالهمزة، وقرأ نافع، وابن عامر، بغير همزة، فمن همز، فهو من السؤال وهي اللغة الفاشية، وهو إما مضمن معنى الدعاء، فلذلك عدّي بالباء، كما تقول دعوت كذا، والمعنى: دعا داع على نفسه بعذاب واقع، ويجوز أن يكون على أصله، والباء بمعنى عن كقوله: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} [الفرقان: 59] ومن لم يهمز، فهو إما من باب التخفيف بقلب الهمزة ألفاً، فيكون معناها معنى قراءة من همز، أو يكون من السيلان، والمعنى: سال وادٍ في جهنم، يقال له: سائل، كما قال زيد بن ثابت. ويؤيده قراءة ابن عباس {سال سيل} وقيل: إن سال بمعنى التمس، والمعنى: التمس ملتمس عذاباً للكفار، فتكون الباء زائدة كقوله: {تَنبُتُ بالدهن} [المؤمنون: 20] والوجه الأوّل هو الظاهر.
وقال الأخفش: يقال: خرجنا نسأل عن فلان وبفلان. قال أبو عليّ الفارسي: وإذا كان من السؤال، فأصله أن يتعدّى إلى مفعولين، ويجوز الاقتصار على أحدهما ويتعدى إليه بحرف الجر، وهذا السائل هو النضر بن الحارث حين قال: {اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السماء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: 32] وهو ممن قتل يوم بدر صبراً. وقيل: هو أبو جهل، وقيل: هو الحارث بن النعمان الفهري، والأوّل أولى لما سيأتي. وقرأ أبيّ، وابن مسعود: {سال سال} مثل مال مال على أن الأصل سائل، فحذفت العين تخفيفاً، كما قيل: شاك في شائك السلاح. وقيل: السائل هو نوح عليه السلام، سأل العذاب للكافرين، وقيل: هو رسول الله دعا بالعقاب عليهم، وقوله: {بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} يعني: إما في الدنيا كيوم بدر، أو في الآخرة.
وقوله: {للكافرين} صفة أخرى لعذاب أي: كائن للكافرين، أو متعلق بواقع، واللام للعلة، أو يسأل على تضمينه معنى دعا، أو في محل رفع على تقدير: هو للكافرين، أو تكون اللام بمعنى على، ويؤيده قراءة أبيّ: {بعذاب واقع على الكافرين}. قال الفرّاء: التقدير بعذاب للكافرين واقع بهم، فالواقع من نعت العذاب، وجملة: {لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ} صفة أخرى لعذاب، أو حال منه، أو مستأنفة، والمعنى: أنه لا يدفع ذلك العذاب الواقع به أحد، وقوله: {مِنَ الله} متعلق بواقع أي: واقع من جهته سبحانه، أو بدافع، أي: ليس له دافع من جهته تعالى: {ذِي المعارج} أي: ذي الدرجات التي تصعد فيها الملائكة، وقال الكلبي: هي السموات، وسماها معارج لأن الملائكة تعرج فيها. وقيل: المعارج مراتب نعم الله سبحانه على الخلق. وقيل: المعارج العظمة. وقيل: هي الغرف. وقرأ ابن مسعود: {ذي المعاريج} بزيادة الياء، يقال: معارج ومعاريج مثل مفاتح ومفاتيح.
{تَعْرُجُ الملئكة والروح إِلَيْهِ} أي: تصعد في تلك المعارج التي جعلها الله لهم، وقرأ الجمهور: {تعرج} بالفوقية. وقرأ ابن مسعود، وأصحابه، والكسائي، والسلمي بالتحتية، والروح جبريل، أفرد بالذكر بعد الملائكة لشرفه، ويؤيد هذا قوله: {نَزَلَ بِهِ الروح الأمين} [الشعراء: 193]، وقيل: الروح هنا ملك آخر عظيم غير جبريل.
وقال أبو صالح: إنه خلق من خلق الله سبحانه كهيئة الناس، وليسوا من الناس.
وقال قبيصة بن ذؤيب: إنه روح الميت حين تقبض، والأوّل أولى. ومعنى {إِلَيْهِ}: أي: إلى المكان الذي ينتهون إليه. وقيل: إلى عرشه. وقيل: هو كقول إبراهيم: {إِنّى ذَاهِبٌ إلى رَبّى} [الصافات: 99] أي: إلى حيث أمرني ربي {فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} قال ابن إسحاق، والكلبي، ووهب بن منبه: أي عرج الملائكة إلى المكان الذي هو محلها في وقت كان مقداره على غيرهم لو صعد خمسين ألف سنة، وبه قال مجاهد.
وقال عكرمة: وروي عن مجاهد أن مدة عمر الدنيا هذا المقدار لا يدري أحدٌ كم مضى، ولا كم بقي، ولا يعلم ذلك إلاّ الله.
وقال قتادة، والكلبي، ومحمد بن كعب: إن المراد يوم القيامة، يعني: أن مقدار الأمر فيه لو تولاه غيره سبحانه خمسون ألف سنة، وهو سبحانه يفرغ منه في ساعة، وقيل: إن مدّة موقف العباد للحساب، هي هذا المقدار، ثم يستقرّ بعد ذلك أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار. وقيل: إن مقدار يوم القيامة على الكافرين خمسون ألف سنة، وعلى المؤمنين مقدار ما بين الظهر والعصر، وقيل: ذكر هذا المقدار لمجرد التمثيل والتخييل لغاية ارتفاع تلك المعارج وبعد مداها، أو لطول يوم القيامة باعتبار ما فيه من الشدائد والمكاره، كما تصف العرب أيام الشدّة بالطول وأيام الفرح بالقصر، ويشبهون اليوم القصير بإبهام القطاة والطويل بظل الرمح، ومنه قول الشاعر:
ويوم كظل الرمح قصر طوله *** دم الزق عنا واصطفاف المزاهر
وقيل: في الكلام تقديم وتأخير، أي: ليس له دافع من الله ذي المعارج في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة تعرج الملائكة والروح إليه، وقد قدّمنا الجمع بين هذه الآية وبين قوله في سورة السجدة {فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} [السجدة: 5] فارجع إليه.
وقد قيل في الجمع: إن من أسفل العالم إلى العرش خمسين ألف سنة، ومن أعلى سماء الدنيا إلى الأرض ألف سنة؛ لأن غلظ كل سماء خمسمائة عام، وما بين أسفل السماء إلى قرار الأرض خمسمائة عام، فالمعنى: أن الملائكة إذا عرجت من أسفل العالم إلى العرش كان مسافة ذلك خمسين ألف سنة، وإن عرجوا من هذه الأرض التي نحن فيها إلى باطن هذه السماء التي هي سماء الدنيا كان مسافة ذلك ألف سنة، وسيأتي في آخر البحث ما يؤيد هذا عن ابن عباس.
ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم بالصبر فقال: {فاصبر صَبْراً جَمِيلاً}، أي: اصبر يا محمد على تكذيبهم لك وكفرهم بما جئت به صبراً جميلاً لا جزع فيه ولا شكوى إلى غير الله، وهذا معنى الصبر الجميل. وقيل: هو أن يكون صاحب المصيبة في القوم لا يدري بأنه مصاب. قال ابن زيد، وغيره: هي منسوخة بآية السيف {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً} أي: يرون العذاب الواقع بهم، أو يرون يوم القيامة بعيداً أي: غير كائن لأنهم لا يؤمنون به، فمعنى {بَعِيداً} أي: مستبعداً محالاً، وليس المراد أنهم يرونه بعيداً غير قريب. قال الأعمش: يرون البعث بعيداً؛ لأنهم لا يؤمنون به كأنهم يستبعدونه على جهة الاستحالة، كما تقول لمن تناظره هذا بعيد، أي: لا يكون {وَنَرَاهُ قَرِيباً} أي: نعلمه كائناً قريباً؛ لأن ما هو آت قريب. وقيل المعنى: ونراه هيناً في قدرتنا غير متعسر ولا متعذر، والجملة تعليل للأمر بالصبر.
ثم أخبر سبحانه متى يقع بهم العذاب فقال: {يَوْمَ تَكُونُ السماء كالمهل} والظرف متعلق بمضمر دلّ عليه واقع، أو بدل من قوله: {فِى يَوْمٍ} على تقدير تعلقه بواقع، أو متعلق بقريباً، أو مقدّر بعده، أي: يوم تكون إلخ، كان كيت وكيت، أو بدل من الضمير في نراه، والأوّل أولى. والتقدير يقع بهم العذاب {يَوْمَ تَكُونُ السماء كالمهل} والمهل: ما أذيب من النحاس والرصاص والفضة.
وقال مجاهد: هو القيح من الصديد والدم.
وقال عكرمة، وغيره: هو درديّ الزيت، وقد تقدّم تفسيره في سورة الكهف والدخان. {وَتَكُونُ الجبال كالعهن} أي: كالصوف المصبوغ، ولا يقال للصوف عهن إلاّ إذا كان مصبوغاً. قال الحسن: تكون الجبال كالعهن، وهو الصوف الأحمر، وهو أضعف الصوف. وقيل: العهن الصوف ذو الألوان، فشبّه الجبال به في تكوّنها ألواناً، كما في قوله: {جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ} {وَغَرَابِيبُ سُودٌ} [فاطر: 27] فإذا بست وطيرت في الهواء أشبهت العهن المنفوش إذا طيرته الريح.
{وَلاَ يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً} أي: لا يسأل قريب قريبه عن شأنه في ذلك اليوم لما نزل بهم من شدّة الأهوال التي أذهلت القريب عن قريبه، والخليل عن خليله، كما قال سبحانه: {لِكُلّ امرئ مّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس: 37]. وقيل المعنى: لا يسأل حميم عن حميم، فحذف الحرف ووصل الفعل. قرأ الجمهور: {لا يسأل} مبنياً للفاعل. قيل: والمفعول الثاني محذوف، والتقدير: لا يسأله نصره ولا شفاعته، وقرأ أبو جعفر، وأبو حيوة، وشيبة، وابن كثير في رواية عنه على البناء للمفعول.
وروى هذه القراءة البزّي عن عاصم. والمعنى: لا يسأل حميم إحضار حميمه. وقيل: هذه القراءة على إسقاط حرف الجرّ، أي: لا يسأل حميم عن حميم، بل كلّ إنسان يسأل عن نفسه وعن عمله، وجملة: {يُبَصَّرُونَهُمْ} مستأنفة، أو صفة لقوله: {حَمِيماً} أي: يبصر كلّ حميم حميمه، لا يخفى منهم أحد عن أحد.
وليس في القيامة مخلوق وإلاّ وهو نصب عين صاحبه، ولا يتساءلون ولا يكلم بعضهم بعضاً لاشتغال كل أحد منهم بنفسه، وقال ابن زيد: يبصر الله الكفار في النار الذين أضلوهم في الدنيا، وهم الرؤساء المتبوعون. وقيل: إن قوله: {يُبَصَّرُونَهُمْ} يرجع إلى الملائكة أي: يعرفون أحوال الناس لا يخفون عليهم، وإنما جمع الضمير في يبصرونهم، وهما للحميمين حملاً على معنى العموم؛ لأنهما نكرتان في سياق النفي، قرأ الجمهور: {يبصرونهم} بالتشديد، وقرأ قتادة بالتخفيف.
ثم ابتدأ سبحانه الكلام فقال: {يَوَدُّ المجرم لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ} المراد بالمجرم: الكافر، أو كلّ مذنب ذنباً يستحق به النار لو يفتدي من عذاب يوم القيامة الذي نزل به. {بِبَنِيهِ وصاحبته وَأَخِيهِ} فإن هؤلاء أعزّ الناس عليه وأكرمهم لديه، فلو قبل منه الفداء لفدى بهم نفسه، وخلص مما نزل به من العذاب، والجملة مستأنفة لبيان أن اشتغال كل مجرم بنفسه بلغ إلى حدّ يودّ الافتداء من العذاب بمن ذكر. قرأ الجمهور: {من عذاب يومئذٍ} بإضافة عذاب إلى يومئذٍ. وقرأ أبو حيوة بتنوين {عذاب} وقطع الإضافة. وقرأ الجمهور: {يومئذ} بكسر الميم. وقرأ نافع، والكسائي، والأعرج، وأبو حيوة بفتحها {وَفَصِيلَتِهِ التى تُوِيهِ} أي: عشيرته الأقربين الذين يضمونه في النسب، أو عند الشدائد، ويأوي إليهم. قال أبو عبيد: الفصيلة دون القبيلة.
وقال ثعلب: هم آباؤهم الأدنون. قال المبرّد: الفصيلة القطعة من أعضاء الجسد. وسميت عشيرة الرجل فصيلة تشبيهاً لها بالبعض منه.
وقال مالك: إن الفصيلة هي التي تربيه {وَمَن فِى الأرض جَمِيعاً} أي: ويودّ المجرم لو افتدى بمن في الأرض جميعاً من الثقلين وغيرهما من الخلائق. وقوله: {ثُمَّ يُنجِيهِ} معطوف على يفتدي، أي: يودّ لو يفتدي، ثم ينجيه الافتداء، وكان العطف بثم لدلالتها على استبعاد النجاة. وقيل: إن يودّ تقتضي جواباً، كما في قوله: {وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم: 9] والجواب. {ثم ينجيه}، والأوّل أولى.
وقوله: {كَلاَّ} ردع للمجرم عن تلك الودادة، وبيان امتناع ما ودّه من الافتداء، و{كلا} يأتي بمعنى حقاً، وبمعنى لا مع تضمنها لمعنى الزجر والردع، والضمير في قوله: {إِنَّهَا لظى} عائد إلى النار المدلول عليها بذكر العذاب، أو هو ضمير مبهم يفسره ما بعده، ولظى علم لجهنم، واشتقاقها من التلظي في النار، وهو التلهب. وقيل: أصله لظظ بمعنى دوام العذاب، فقلبت إحدى الظاءين ألفاً. وقيل لظى: هي الدركة الثانية من طباق جهنم {نَزَّاعَةً للشوى} قرأ الجمهور: {نزاعة} بالرفع على أنه خبر ثانٍ لإنّ، أو خبر مبتدأ محذوف، أو تكون لظى بدلاً من الضمير المنصوب، ونزاعة خبر إنّ، أو على أن نزاعة صفة للظى على تقدير عدم كونها علماً، أو يكون الضمير في إنها للقصة، ويكون لظى مبتدأ، ونزاعة خبره، والجملة خبر إنّ، وقرأ حفص عن عاصم، وأبو عمر، وفي رواية عنه، وأبو حيوة، والزعفراني، والترمذي، وابن مقسم {نزاعة} بالنصب على الحال.
وقال أبو علي الفارسي: حمله على الحال بعيد؛ لأنه ليس في الكلام ما يعمل في الحال. وقيل: العامل فيها ما دلّ عليه الكلام من معنى التلظي، أو النصب على الاختصاص، والشوى: الأطراف، أو جمع شواة، وهي جلدة الرأس، ومنه قول الأعشى:
قالت قتيلة ما له *** قد جللت شيباً شواته
وقال الحسن، وثابت البناني: {نَزَّاعَةً للشوى}: أي: لمكارم الوجه وحسنه، وكذا قال أبو العالية، وقتادة.
وقال قتادة: تبري اللحم والجلد عن العظم حتى لا تترك فيه شيئًا.
وقال الكسائي: هي المفاصل.
وقال أبو صالح: هي أطراف اليدين والرجلين {تَدْعُواْ مَنْ أَدْبَرَ} أي: تدعو لظى من أدبر عن الحقّ في الدنيا {وتولى} أي: أعرض عنه {وَجَمَعَ فَأَوْعَى} أي: جمع المال فجعله في وعائه. وقيل: إنها تقول: إليّ يا مشرك، إلي يا منافق، وقيل: معنى تدعو تهلك، تقول العرب: دعاك الله أي: أهلكك، وقيل: ليس هو الدعاء باللسان، ولكن دعاؤها إياهم تمكنها من عذابهم. وقيل: المراد أن خزنة جهنم تدعو الكافرين والمنافقين، فأسند الدعاء إلى النار، من باب إسناد ما هو للحال إلى المحلّ. وقيل: هو تمثيل وتخييل، ولا دعاء في الحقيقة، والمعنى: أن مصيرهم إليها، كما قال الشاعر:
ولقد هبطنا الواد بين قوادنا *** ندعو الأنيس به الغصيص الأبكم
والغصيص الأبكم: الذباب، وهي لا تدعو، وفي هذا ذمّ لمن جمع المال فأوعاه، وكنزه ولم ينفقه في سبل الخير، أو لم يؤدّ زكاته.
وقد أخرج الفريابي، وعبد بن حميد، والنسائي، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {سَأَلَ سَائِلٌ} قال: هو النضر بن الحارث قال: {اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السماء} [الأنفال: 32]. وفي قوله: {بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} قال: كائن {للكافرين لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِّنَ الله ذِي المعارج} قال: ذي الدرجات.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عنه في قوله: {سَأَلَ سَائِلٌ} قال: سال: وادٍ في جهنم.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: {ذِي المعارج} قال: ذي العلوّ والفواضل.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: {فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} قال: منتهى أمره من أسفل الأرضين إلى منتهى أمره من فوق سبع سماوات مقدار خمسين ألف سنة، ويَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ قال: يعني بذلك، ينزل الأمر من السماء إلى الأرض، ومن الأرض إلى السماء في يوم واحد، فذلك مقدار ألف سنة؛ لأن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال: غلظ كل أرض خمسمائة عام، وغلظ كل سماء خمسمائة عام، وبين كل أرض إلى أرض خمسمائة عام، ومن السماء إلى السماء خمسمائة عام، فذلك أربعة عشر ألف عام، وبين السماء السابعة وبين العرش مسيرة ستة وثلاثين ألف عام، فذلك قوله: {فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ}.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في البعث عنه أيضاً في قوله: {فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مّمَّا تَعُدُّونَ} قال: هذا في الدنيا تعرج الملائكة في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدّون، وفي قوله: {فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} فهذا يوم القيامة جعله الله على الكافر مقدار خمسين ألف سنة.
وأخرج ابن أبي حاتم، والبيهقي عنه أيضاً في قوله: {فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [السجدة: 5] قال: لو قدّرتموه لكان خمسين ألف سنة من أيامكم. قال: يعني يوم القيامة.
وقد قدّمنا عن ابن عباس الوقف في الجمع بين الآيتين في سورة السجدة.
وأخرج أحمد، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري قال: قيل يا رسول الله يَوْمٍ كَانَ يَوْمٍ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ما أطول هذا اليوم؟ فقال: «والذي نفسي بيده إنه ليخفف عن المؤمن حتى يكون أهون عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا» وفي إسناده دراج عن أبي الهيثم، وهما ضعيفان.
وأخرج ابن أبي حاتم، والحاكم، والبيهقي في البعث عن أبي هريرة مرفوعاً قال: ما قدر طول يوم القيامة على المؤمنين إلاّ كقدر ما بين الظهر إلى العصر.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن ابن عباس في قوله: {فاصبر صَبْراً جَمِيلاً} قال: لا تشكو إلى أحد غيري.
وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، وابن المنذر، والخطيب في المتفق والمفترق، والضياء في المختارة عن ابن عباس في قوله: {يَوْمَ تَكُونُ السماء كالمهل} قال: كدرديّ الزيت.
وأخرج ابن جرير عنه قال: {يُبَصَّرُونَهُمْ} يعرف بعضهم بعضاً ويتعارفون، ثم يفرّ بعضهم من بعض.
وأخرج ابن جرير عنه أيضاً في قوله: {نَزَّاعَةً للشوى} قال: تنزع أمّ الرأس.


قوله: {إِنَّ الإنسان خُلِقَ هَلُوعاً} قال في الصحاح: الهلع في اللغة: أشدّ الحرص، وأسوأ الجزع وأفحشه. يقال: هلع بالكسر، فهو هلع وهلوع على التكثير.
وقال عكرمة: هو الضجور. قال: الواحدي، والمفسرون يقولون تفسير الهلع ما بعده يعني قوله: {إِذَا مَسَّهُ الشر جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الخير مَنُوعاً} أي: إذا أصابه الفقر والحاجة، أو المرض، أو نحو ذلك، فهو جزوع، أي: كثير الجزع، وإذا أصابه الخير من الغنى والخصب والسعة، ونحو ذلك، فهو كثير المنع والإمساك.
وقال أبو عبيدة: الهلوع هو الذي إذا مسه الخير لم يشكر، وإذا مسه الشرّ لم يصبر. قال ثعلب: قد فسّر الله الهلوع: هو الذي إذا أصابه الشرّ أظهر شدّة الجزع، وإذا أصابه الخير بخل به ومنعه الناس، والعرب تقول: ناقة هلوع، وهلواع: إذا كانت سريعة السير خفيفته، ومنه قول الشاعر:
شكاء ذعلبة إذا استدبرتها *** جرح إذا استقبلتها هلواع
والذعلبة: الناقة السريعة، وانتصاب هلوعاً وجزوعاً ومنوعاً على أنها أحوال مقدّرة، أو محققة؛ لكونها طبائع جبل الإنسان عليها، والظرفان معمولان لجزوعاً ومنوعاً. {إِلاَّ المصلين} أي: المقيمين للصلاة وقيل: المراد بهم أهل التوحيد يعني: أنهم ليسوا على تلك الصفات من الهلع والجزع والمنع؛ وأنهم على صفات محمودة وخلال مرضية؛ لأن إيمانهم وما تمسكوا به من التوحيد ودين الحق يزجرهم عن الاتصاف بتلك الصفات، ويحملهم على الاتصاف بصفات الخير.
ثم بيّنهم سبحانه فقال: {الذين هُمْ على صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ} أي: لا يشغلهم عنها شاغل، ولا يصرفهم عنها صارف، وليس المراد بالدوام أنهم يصلون أبداً. قال الزجاج: هم الذين لا يزيلون وجوههم عن سمت القبلة، وقال الحسن، وابن جريج: هو التطوع منها. قال النخعي: المراد بالمصلين الذين يؤدّون الصلاة المكتوبة. وقيل: الذين يصلونها لوقتها، والمراد بالآية جميع المؤمنين، وقيل: الصحابة خاصة، ولا وجه لهذا التخصيص لاتصاف كل مؤمن بأنه من المصلين. {والذين فِى أموالهم حَقٌّ مَّعْلُومٌ} قال قتادة، ومحمد بن سيرين: المراد الزكاة المفروضة.
وقال مجاهد: سوى الزكاة. وقيل: صلة الرحم، والظاهر أنه الزكاة لوصفه بكونه معلوماً، ولجعله قريناً للصلاة، وقد تقدّم تفسير السائل والمحروم في سورة الذاريات مستوفى. {والذين يُصَدّقُونَ بِيَوْمِ الدين} أي: بيوم الجزاء، وهو يوم القيامة لا يشكون فيه ولا يجحدونه. وقيل: يصدّقونه بأعمالهم، فيتعبون أنفسهم في الطاعات {والذين هُم مّنْ عَذَابِ رَبّهِم مُّشْفِقُونَ} أي: خائفون وجلون مع ما لهم من أعمال الطاعة استحقاراً لأعمالهم، واعترافاً بما يجب لله سبحانه عليهم. وجملة: {إِنَّ عَذَابَ رَبّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ} مقرّرة لمضمون ما قبلها مبينة أن ذلك مما لا ينبغي أن يأمنه أحد، وأن حق كل أحد أن يخافه.
{والذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافظون} إلى قوله: {فَأُوْلَئِكَ هُمُ العادون} قد تقدم تفسيره في سورة المؤمنين مستوفى.
{والذين هُمْ لاماناتهم وَعَهْدِهِمْ راعون} أي: لا يخلون بشيء من الأمانات التي يؤتمنون عليها، ولا ينقضون شيئًا من العهود التي يعقدونها على أنفسهم. قرأ الجمهور: {لأماناتهم} بالجمع، وقرأ ابن كثير، وابن محيصن {لأمانتهم} بالإفراد، والمراد: الجنس: {وَالَّذِينَ هُمْ بشهاداتهم قَائِمُونَ} أي: يقيمونها على من كانت عليه من قريب أو بعيد، أو رفيع أو وضيع، ولا يكتمونها ولا يغيرونها، وقد تقدّم القول في الشهادة في سورة البقرة، قرأ الجمهور: {بشهادتهم} بالإفراد. وقرأ حفص، ويعقوب وهي رواية عن ابن كثير بالجمع. قال الواحدي: والإفراد أولى لأنه مصدر، ومن جمع ذهب إلى اختلاف الشهادات. قال الفرّاء: ويدل على قراءة التوحيد قوله تعالى: {وَأَقِيمُواْ الشهادة لِلَّهِ} [الطلاق: 2]. {وَالَّذِينَ هُمْ على صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ} أي: على أذكارها وأركانها وشرائطها، لا يخلون بشيء من ذلك. قال قتادة: على وضوئها وركوعها وسجودها.
وقال ابن جريج: المراد التطوّع، وكرر ذكر الصلاة لاختلاف ما وصفهم به أوّلاً، وما وصفهم به ثانياً، فإن معنى الدوام: هو أن لا يشتغل عنها بشيء من الشواغل، كما سلف؛ ومعنى المحافظة: أن يراعي الأمور التي لا تكون صلاة بدونها وقيل: المراد يحافظون عليها بعد فعلها من أن يفعلوا ما يحبطها ويبطل ثوابها، وكرّر الموصولات للدلالة على أن كل وصف من تلك الأوصاف لجلالته يستحقّ أن يستقلّ بموصوف منفرد، والإشارة بقوله: {أولئك} إلى الموصوفين بتلك الصفات {فِى جنات مُّكْرَمُونَ} أي: مستقرّون فيها، مكرمون بأنواع الكرامات، وخبر المبتدأ قوله: {فِي جنات}، وقوله: {مُّكْرَمُونَ} خبر آخر، ويجوز أن يكون الخبر مكرمون، وفي جنات متعلق به. {فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ} أي: أيّ شيء لهم حواليك مسرعين، قال الأخفش: مهطعين مسرعين، ومنه قول الشاعر:
بمكة أهلها ولقد أراهم *** إليهم مهطعين إلى السماع
وقيل: المعنى: ما بالهم يسرعون إليك يجلسون حواليك، ولا يعملون بما تأمرهم؟ وقيل: ما بالهم مسرعين إلى التكذيب. وقيل: ما بال الذين كفروا يسرعون إلى السماع إليك، فيكذبونك ويستهزئون بك.
وقال الكلبي: إن معنى {مُهْطِعِينَ}: ناظرين إليك.
وقال قتادة: عامدين. وقيل: مسرعين إليك مادّي أعناقهم مديمي النظر إليك. {عَنِ اليمين وَعَنِ الشمال عِزِينَ} أي: عن يمين النبيّ صلى الله عليه وسلم وعن شماله جماعات متفرقة، وعزين جمع عزة، وهي العصبة من الناس، ومنه قول الشاعر:
ترانا عنده والليل داج *** على أبوابه حلقاً عزينا
وقال الراعي:
أخليفة الرحمن إن عشيرتي *** أمسى سراتهم إليك عزينا
وقال عنترة:
وقرن قد تركت لدي ولي *** عليه الطير كالعصب العزينا
وقيل: أصلها عزوة من العزو؛ كأن كل فرقة تعتزي إلى غير من تعتزي إليه الأخرى. قال في الصحاح: والعزة: الفرقة من الناس، والهاء عوض من التاء، والجمع عزى وعزون، وقوله: {عَنِ اليمين وَعَنِ الشمال} متعلق بعزين، أو بمهطعين. {أَيَطْمَعُ كُلُّ امرئ مّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ} قال المفسرون: كان المشركون يقولون: لئن دخل هؤلاء الجنة لندخلنّ قبلهم، فنزلت الآية. قرأ الجمهور: {أن يدخل} مبنياً للمفعول، وقرأ الحسن، وزيد بن عليّ، وطلحة بن مصرف، والأعرج، ويحيى بن يعمر، وأبو رجاء، وعاصم في رواية عنه على البناء للفاعل. ثم ردّ الله سبحانه عليهم فقال: {كَلاَّ إِنَّا خلقناهم مّمَّا يَعْلَمُونَ} أي: من القذر الذين يعلمون به، فلا ينبغي لهم هذا التكبر. وقيل المعنى: إنا خلقناهم من أجل ما يعلمون، وهو امتثال الأمر والنهي، وتعريضهم للثواب والعقاب، كما في قوله: {وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 59]، ومنه قول الأعشى:
وأزمعت من آل ليلى ابتكارا *** وشطت على ذي هوى أن يزارا
وقد أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: سئل ابن عباس عن الهلوع، فقال: هو كما قال الله: {إِذَا مَسَّهُ الشر جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الخير مَنُوعاً}.
وأخرج ابن المنذر عنه: {هَلُوعاً} قال: الشره.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن ابن مسعود: {الذين هُمْ على صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ} قال: على مواقيتها.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن عمران بن حصين: {الذين هُمْ على صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ} قال: الذي لا يلتفت في صلاته.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن عقبة بن عامر {الذين هُمْ على صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ} قال: هم الذين إذا صلوا لم يلتفتوا.
وأخرج ابن المنذر من طريق أخرى عنه نحوه.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ} قال: ينظرون {عَنِ اليمين وَعَنِ الشمال عِزِينَ} قال: العصب من الناس عن يمين وشمال معرضين يستهزئون به.
وأخرج مسلم، وغيره عن جابر قال: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، ونحن حلق متفرقون فقال: «ما لي أراكم عزين».
وأخرج أحمد، وابن ماجه، وابن سعد، وابن أبي عاصم، والباوردي، وابن قانع، والحاكم، والبيهقي في الشعب، والضياء عن بشر بن جحاش قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ} إلى قوله: {كَلاَّ إِنَّا خلقناهم مّمَّا يَعْلَمُونَ}، ثم بزق رسول الله صلى الله عليه وسلم على كفه، ووضع عليها أصبعه، وقال: «يقول الله: ابن آدم، أنى تعجزني، وقد خلقتك من مثل هذه حتى إذا سوّيتك وعدّلتك مشيت بين بردين، وللأرض منك وئيد، فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقي قلت أو أتى أوان الصدقة».


قوله: {فَلاَ أُقْسِمُ} (لا) زائدة كما تقدّم قريباً، والمعنى: فأقسم {بِرَبّ المشارق والمغارب} يعني: مشرق كل يوم من أيام السنة ومغربه. قرأ الجمهور: {المشارق والمغارب} بالجمع، وقرأ أبو حيوة، وابن محيصن، وحميد بالإفراد. {إِنَّا لقادرون * على أَن نُّبَدّلَ خَيْراً مّنْهُمْ} أي: على أن نخلق أمثل منهم، وأطوع لله حين عصوه ونهلك هؤلاء. {وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} أي: بمغلوبين إن أردنا ذلك بل نفعل ما أردنا لا يفوتنا شيء ولا يعجزنا أمر؛ ولكن مشيئتنا وسابق علمنا اقتضيا تأخير عقوبة هؤلاء، وعدم تبديلهم بخلق آخر. {فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ} أي: اتركهم يخوضوا في باطلهم ويلعبوا في دنياهم، واشتغل بما أمرت به ولا يعظمنّ عليك ما هم فيه، فليس عليك إلاّ البلاغ {حتى يلاقوا يَوْمَهُمُ الذى يُوعَدُونَ} وهو يوم القيامة، وهذه الآية منسوخة بآية السيف. قرأ الجمهور: {يلاقوا}. وقرأ أبو جعفر، وابن محيصن، وحميد، ومجاهد: {حتى يلقوا} {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث سِرَاعاً} يوم بدل من يومهم، وسراعاً منتصب على الحال من ضمير يخرجون، قرأ الجمهور {يخرجون} على البناء للفاعل. وقرأ السلمي، والأعمش، والمغيرة، وعاصم في رواية على البناء للمفعول، والأجداث جمع جدث، وهو القبر {كَأَنَّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} قرأ الجمهور: {نصب} بفتح النون وسكون الصاد. وقرأ ابن عامر، وحفص بضم النون والصاد، وقرأ عمرو بن ميمون، وأبو رجاء بضم النون وإسكان الصاد. قال في الصحاح: والنصب ما نصب فعبد من دون الله، وكذا النصب بالضم، وقد يحرّك. قال الأعشى:
وذا النصب المنصوب لا تعبدنه *** ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا
والجمع الأنصاب.
وقال الأخفش، والفراء: النصب جمع النصب، مثل رهن ورهن، والأنصاب جمع النصب فهو جمع الجمع. وقيل: النصب جمع نصاب، وهو حجر أو صنم يذبح عليه، ومنه قوله: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النصب} [المائدة: 3].
وقال النحاس: نصب ونصب بمعنى واحد. وقيل: معنى {إلى نُصُبٍ}: إلى غاية، وهي التي تنصب إليها بصرك، وقال الكلبي: إلى شيء منصوب علم أو راية أي: كأنهم إلى علم يدعون إليه، أو راية تنصب لهم يوفضون، قال الحسن: كانوا يبتدرون إذا طلعت الشمس إلى نصبهم التي كانوا يعبدونها من دون الله لا يلوي أوّلهم على آخرهم.
وقال أبو عمرو: النصب شبكة الصائد يسرع إليها عند وقوع الصيد فيها مخافة انفلاته. ومعنى يوفضون: يسرعون، والإيفاض الإسراع. يقال: أوفض إيفاضاً، أي: أسرع إسراعاً، ومنه قول الشاعر:
فوارس ذبيان تحت الحديد *** كالجنّ يوفض من عبقر
وعبقر: قرية من قرى الجن، كما تزعم العرب، ومنه قول لبيد:
كهول وشبان كجنة عبقر ***
وانتصاب {خاشعة أبصارهم} على الحال من ضمير يوفضون، وأبصارهم مرتفعة به، والخشوع الذلة والخضوع، أي: لا يرفعونها لما يتوقعونه من العذاب {تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} أي: تغشاهم ذلة شديدة.
قال قتادة هي: سواد الوجوه، ومنه غلام مراهق: إذا غشيه الاحتلام، يقال: رهقه بالكسر يرهقه رهقاً، أي: غشيه، ومثل هذا قوله: {وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ} [يونس: 26] والإشارة بقوله: {ذلك} إلى ما تقدّم ذكره. وهو مبتدأ وخبره: {اليوم الذى كَانُواْ يُوعَدُونَ} أي: الذي كانوا يوعدونه في الدنيا على ألسنة الرسل قد حاق بهم وحضر، ووقع بهم من عذابه ما وعدهم الله به، وإن كان مستقبلاً، فهو في حكم الذي قد وقع لتحقق وقوعه.
وقد أخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فَلاَ أُقْسِمُ بِرَبّ المشارق والمغارب} قال: للشمس كل يوم مطلع تطلع فيه، ومغرب تغرب فيه غير مطلعها بالأمس وغير مغربها بالأمس.
وأخرج ابن جرير عنه: {إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} قال: إلى علم يستبقون.